السبت، 8 أغسطس 2015

قصة فتاة


 

أردت إفسادها فأنقذتني

 

داعية ولكن من نوع وتوجه آخر . خط لنفسه طريق وهدف ولكن كان يؤدي إلى الهلاك والفساد فمضى في تنفيذ مخططه حتى سقط ضحية فتاة عرفت كيف تتعامل مع أمثاله.

ما أجمل الماضي وما أقساه،صفتان اجتمعت في ذكرى رجل واحد ، صفتان متضادتان أحاول أن أتذكر الماضي من أجل أن أرى طفولتي البريئة فيها . وأحاول أن أهرب من تذكره كي لا أرى الشقاء الذي عشته في عنفوان شبابي .فحينما وصلت سن الخامسة عشرة كنت في أشد الصراع مع طريقين هما طريق الخير وطريق الشر . لكن من سوء حظي أنني اخترت طريق الشر،فقلدتني الشياطين أغلى وسام لديها،وصرت تبعاً لها بل لم تمضي أيام حتى تمردت عليها فأصبحت هي التابعة لي ، فأخذت مسلك الشر واستسقيت من منهله المر الذي أشد من مرارة العلقم وأيمُ الله .لم أتخلى يوماً عن المشاركة في تفتيت روابط القيم والشيم الرفيعة،حتى أصبح اسمي علماً من أعلام الغواية والضلال وذات مرة استرعى انتباهي فتاة كانت في الحي الذي أسكن فيه ، وكانت كثيراً ما تنظر إلىّ نظرة لم أعي معناها . لكنها لم تكن نظرات عشق ، ولا غرام ، رغم أنني لا أعرف العشق ولا الغرام حيث لم يكن لي قلب وقتها . وتغلغلت في أفكاري تلك النظرات التي استوقفتني كثيراً ، حتى هممت أن أضع شراكي على تلك الفتاة . وبعد فترة أخذت منظومة شعرية يقولون أنها منظومة عشق ، فأرسلتها لها عبر باب منزلها ، ولكن لم أجد منها رد بذلك ولا تجاوب . وأخذتني بعدها العزة بالإثم لأغوين تلك الفتاة شاءت أم أبت ،فكتبت فيها قصيدةً شعرية من غير ذكر اسم لها . حتى وصلها الخبر بذلك،لكنها لم تتصرف ولم يأتي منها شئ،وذات ليلة كنت عائداً إلى منزلي الساعة الرابعة فجراً،فأنا ممن هو مستخف بالنهار وساربُُ بالليل . وإذا بي أجد عند الباب كتاب عن الأذكار النبوية ، فأحمر وجهي لذلك استحضرت جميع قوى الشر التي بداخلي ، حيث عرفت أن التي أرسلته لي هي تلك الفتاة.

وبهذا فهي قد أعلنت حرباً معي ، ففكرت وقتها على أن أكتب قصيدة عن واقعة حب بيني وبينها وأنشرها بالحي ، وبعدها أكون قد خدشت بشرفها . وجلست أستوحي ما تمليه الشياطين علىّ من ذلك الوحي الشعري ، ففرغت من قصيدتي تلك وأرسلت بها إلى دارها مهدداً إياها بان ذلك سوف ينشر لدى كافة معارفك.وجاءني الرسول الذي بعثت معه القصيدة بتمرات،وقال لي أن الفتاة صائمة اليوم وهي على وشك الإفطار وقد أرسلت معي هذه التمرات لك هديةً منها لك على قصيدتك بها،وتقول لك أنها ستدعو الله لك بالهداية ساعة الإفطار. فأخذت تلك التمرات وألقيتها أرضاً،احمرت عيناي بالشر،وتوعدتها بالانتقام عاجلاً أم آجل ، ولن أدعها على طريق الخير أبداً ما حييت .

 وأخذت أتصيد فترات روحتها وجيتها للمسجد بإلقاء عبارات السخرية والاستهزاء بها فكان من معها من البنات يضحكن عليها أشد الضحك ، ومع ذلك لم تحرك تلك الإستهزاءات ساكناً فيها . ومرة الأيام ورأيت أنني فشلت في محاولاتي تلك بان أضل تلك الفتاة واستمرت هي بإرسال كتيبات دينية لي،وكل يوم اثنين وخميس وهي الأيام التي كانت تصوم فيهما كانت ترسل التمر لي ، وكان لسان حالها يقول أنها قد انتصرت علىّ ، هذا ما كنت أظنه من تصرفاتها تلك وما هي إلا أِشهر إلا وسافرت خارج البلاد باحثاً عن السعادة واللذات الدنيوية التي لم أراها في بلدي،ومكثت قرابة أربعة أشهر، وكنت وأنا خارج بلدي منشغل الفكر بتلك الفتاة ، وكيف نجت من جميع الخطط التي وضعتها لها . وفكرت فور وصولي لبلدي أن أبدأ معها المشوار مرة أخرى بأسلوب أكثر خبثاً ودهاءً وقررت أنني سوف أردها عن تدينها وأجعلها تسير على درب الشر . وجاء موعد الرحلة والرجوع لبلدي وكان يومها يوم خميس ، وهو من الأيام التي كانت تصومه تلك الفتاة ، وحينما قدم لنا القهوة والتمر بالطائرة أخذت بشرب القهوة أم التمر فألقيت به [ حيث كان رمزاً للصائمين ويذكرني بها ] . وهبطت الطائرة بمطار المدينة التي أسكن بها وكان الوقت الواحدة ظهراً،وركبت سيارة الأجرة متوجهاً لمنزلي ، وهناك زارني أصدقائي فور وصولي ، وكلاً منهم قد حصل على هديته مني وكانت تلك الهداية كلها خبيثة ، وكانت أكبرها قيمة وأعظمها شراً هدية خصصتها لتلك الفتاة ، كي أرسلها لها،ولأرى ما تفعله بعد ذلك . وخرجت ذاهباً لأتصيد الفتاة عند مقربةً من المسجد قبل صلاة المغرب ، حيث كانت حريصةً على أداء الصلاة في المسجد لان بالمسجد كان جمعية نسائية لتحفيظ القران . وما أن أذن المغرب وفرغ من الأذان وجاء وقت الإقامة ، ولم أرى الفتاة،استغربت،وقلت في نفسي قد تكون الفتاة تغيرت أثناء سفري وهجرت المسجد وتخلت عن تدينها ذلك . فعدت لمنزلي،وأنا كلي أمل بان تكون توقعاتي تلك محلها، وبينما كنت أقلب في كتبي وجدت مصحفاً مكتوب عليه إهداء إليكَ لعل الله أن يهديك إلى صراطه المستقيم ، التوقيع / اسم الفتاة . فأبعدته عني وسألت الخادمة من أحضر هذا المصحف إلى هنا فلم تجبني،وخرجت في يومي الثاني منتظراً الفتاة عند باب المسجد ومعي المصحف كي أسلمها إياه وأقول لها أنا لست بحاجةٍ إليه ، كما أنني سوف أبعدك عنه قريباً،وانتظرت الفتاة عند المسجد ولكن لم تأتي . وكررت ذلك عدة أيام لكن دون فائدة فلم أراها ، فذهبت إلى مقربة من منزلها وسألت أحد الصبيان الصغار الذين كانوا يلعبون مع أخوة لتلك الفتاة ، فسألتهم: هل فلأنة موجودة ؟ فقالوا لي : ولماذا هذا السؤال ! ربما أنت لست من هذا الحي . قلت بلى ولكن لدي رسالة من صديقة لها كنت أود أن تذهبوا بها لها ، فقالوا لي أن من تسأل عنها قد توفاها الله وهي ساجدة تصلي بالمسجد قبل أكثر من شهرين عندها ما أدري ما الذي أصابني فقد أخذت الدنيا تدور بي وأوشكت أن أقع من طولي،ورق قلبي وأخذ الدمع من عيني يسيل ، فعيناي التي لم تعرف الدمع دهراً سالت منها تلك الدموع بغزارة ، ولكن لماذا كل هذا الحزن ؟ أهو من أجل موتها وحسن خاتمتها؟.

 أم من أجل شئ آخر ؟.

لم أقدر أن أركز وأعلم سبباً وتفسيراً لذلك الحزن الشديد،أخذت بالعودة لمنزلي سيراً على الأقدام وأنا هائم لا أدري أين هي وجهتي؟ وإلى أين أنا ذاهب؟. أطرق باب منزلي بينما مفتاح الباب بداخل جيبي،لقد نسيت كل شئ نسيت من أنا أصبحت أنظر وأتذكر نظرات تلك الفتاة في كل مكان تلاحقني وأيقنت بعدها أنها لم تكن نظرات خبث ولا شئ آخر بل نظرات شفقة ورحمة علىّ ، فقد كانت تتمنى أن تبعدني هي عن طريق الشر.

 فقررت بعد وفاتها أن أعتزل أهلي ، وفعلاً اعتزلت أهلي والناس جميعاً أكثر من سنة وسكنت بعيداً عن ذلك الحي وتغيرت حالتي ، وصار خيالها  معي دوماً أراه لم يتركني حتى في وحدتي،أصبحت أراها وهي ذاهبة للمسجد وحينما تعود،وحاول الكثير من أصدقائي أن يعرفوا سبب بعدي عن المجتمع وعن رغبتي واختياري العيش وحيداً لكنني لم أخبرهم بالسبب وكان المصحف الذي أهدتني إياها لا يزال معي،فصرت أقبله وأبكي وقمت فوراً بالوضوء والصلاة لكنني سقطت من طولي فكلما حاولت أن أقوم أسقط،لأني لم أكن أصلي طوال عمري ، فحاولت جاهداً فأعانني الله ونطقت باسمه،ودعيت وبكيت لله بان يسامحني وبان يرحم تلك الفتاة رحمةً واسعة من عنده ، تلك الفتاة التي كانت دائماً ما تسعى لإصلاحي, وكنت أنا أسعى لإفسادها ، لكن تمنيت لو أنها لم تمت لأجل تراني على الاستقامة ، لكن لا راد لقضاء الله ، وصرت دوماً أدعو لها وأسأل الله لها الرحمة وان يجمعني بها في مستقر رحمته وان يحشرني معها ومع عباده الصالحين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق